إبرام مذكرة تفاهم مع مركز السلام للتحكيم
20/02/2020الاجتماع الإداري للمركز
28/01/2021
أعراض فيروس "كورونا - كوفيد 19" على الدعوى التحكيمية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين وشفيع الأمة الذي بلغنا الرسالة وأدى الأمانة وأوصى بأن نستعيذ بالله مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِه، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِه، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِه، وَجَمِيعِ سَخَطِه.
من المتعارف عليه بأن الدعوى التحكيمية تقوم في أصلها على مبدأ سلطان إرادة الأطراف فلا تنعقد الدعوى التحكيمية في الغالب الأعم إلا بوجود "شرط تحكيمي" متفق عليه ضمن العلاقة التعاقدية محل النزاع، أو بوجود "مشارطة تحكيم" تضبط رغبة الأطراف في تسوية النزاع عبر التحكيم، وبناء على ذلك تحدد إجراءات التحكيم في التحكيم الحر بما فيها من آجال تنظيمية باتفاق أطراف الدعوى التحكيمية أو من خلال الجهة القضائية ذات الاختصاص (المحكمة المختصة)، أما في التحكيم المؤسسي فتحدد تلك الإجراءات والآجال التنظيمية من قبل الجهة التي يمارس التحكيم عبر قواعدها (على غرار التحكيم عبر قواعد المركز الإسلامي الدولي للصلح والتحكيم الذي يشكل المنصة الدولية لفض النزاعات وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء) والتي تهدف في مجملها إلى سير الدعوى التحكيمية بمرونة ومهنية، وتمنح للأطراف فرصًا كافية ومتوازنة لتقديم حججهم ودفوعهم.
وهنا يدرج لغط كبير لدى أطراف الدعوى التحكيمية وأحيانًا يصيب ذلك اللغط بعض المحاميين والمحكمين في مسألة الخلط بين الآجال القانونية التي تحددها قواعد قانونية آمرة في القانون واجب التطبيق على الدعوى التحكيمية، وبين الآجال التنظيمية التي يتفق عليها الأطراف أو تحددها هيئات التحكيم أو تنص عليها قواعد التحكيم المؤسسي. وقد ورد للمركز في الآونة الأخيرة طلبات صادرة عن بعض المحتكمين وبعض هيئات التحكيم والخبرة التي ترى ضرورة تعليق عملها ومد آجال مهامها التحكيمية أو مهام الخبرة بسبب انتشار فيروس "كورونا" والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجهات الحكومية للحد من انتشار ذلك الوباء على غرار منع الاجتماعات، وورش العمل، والتدريب ...الخ. وهنا يجب على مدير الدعوى التحكيمية النظر في كل طلب على حدى بحسب طور الدعوى التحكيمية، حيث يتباين قرار المركز بين القبول في الدعاوى التحكيمية التي تتطلب مزيدًا من جلسات التحكيم أو أعمال الانتقال والخبرة، والرفض في حال تأكد للمركز بأن ذلك الطلب قدم لغرض المماطلة فحسب إذ تكون هيئة التحكيم قد أغلقت باب المرافعة في الدعوى التحكيمية وحجزتها لصدور الحكم.
مع ذلك يبقى التساؤل قائمًا، ماهو الأثر القانوني لفايروس كورونا على الدعوى التحكيمية في حال تأكد ضرورة تعليق الإجراءات ومد أجل التحكيم؟ للإجابة عن ذلك التساؤل يجب أن نتفق بأن هذا الوباء العالمي يؤثر على الالتزامات التعاقدية تأثير القوة القاهرة التي تعرف اصطلاحًا على أنها كل ما يحدث قضاءً أو قدراً أو لأي سبب آخر ليس ناتجاً عن خطأ أو إهمال من جانب المتعاقدين، ومن هذا التعريف نرصد ثلاثة شروط لإعمال حالة القوة القاهرة، آلا وهي:
أولاً: عدم إمكانية توقع هذا الوباء العالمي مطلقًا من جانب الأطراف لحظة انعقاد العلاقة التعاقدية أساس الدعوى التحكيمية.
وبتوافر تلك الشروط مجتمعة يتأكد لنا بأن انتشار فيروس "كورونا" الذي يشكل وباءً عالميًا وفق منظمة الصحة العالمية يعد أحد صور القوة القاهرة على الالتزامات التعاقدية والآجال الإجرائية بحيث يؤدي إلى إيقاف أو إطالة الميعاد المقرر قانوناً للقيام بإجراء ما، كتوقف احتساب المدة المسقطة لسماع الدعوى بالتقادم، أو وقف المدة المقررة قانوناً لتقديم الاستئناف بالحكم المراد الطعن فيه، وهذا الموقف يتضح جليًا في المبادئ القضائية التي تؤكد بأن القوة القاهرة هي وحدها التي تؤثر على المواعيد القانونية، وأن قيام القوة القاهرة لا يكون من شأنه إهدار شرط التحكيم المتفق عليه وإنما كل ما يترتب عليه هو وقف سريان الميعاد المحدد لعرض النزاع على التحكيم إن كان له ميعاد محدد، كما أن ميعاد الاستئناف يقف سريانه إذ تحققت أثناءه قوة قاهرة. فإذا كانت القوة القاهرة تؤثر ذلك التأثير على الآجال القانونية الإجرائية فهي بالأحرى لها نفس الأثر على الإجراءات التنظيمية التي تستمد قوتها من مصادر أقل وطأة من التشريع.
نستطيع الجزم بأن أعراض فايروس "كورونا" ظهرت بوتيرة متسارعة على كافة قطاعات الاقتصاد والمال والأعمال محليًا واقليميًا وعالميًا، بل وستمتد تلك الأعراض إلى كافة الالتزامات التعاقدية التي بدورها ستفرز حتمًا مطالبات ودعاوى قضائية وتحكيمية شبيهة كمًا وموضوعًا بتلك التي خلفتها الأزمة المالية العالمية سنة 2008 بل وأشد بأسًا منها بغض النظر عن مدى تأثر كل من تلك العلاقات التعاقدية بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الوباء العالمي فهو أمر متروك للسلطة التقديرية للهيئات القضائية والتحكيمية حالة بحالة.
ثانيًا: استحالة دفع هذا الوباء العالمي وتجنب تبعاته حيث أن الإجراءات الحكومية المفروضة لمجابهة تفشي الوباء تحول دون تنفيذ المحكم أو الخبير لمهامه، وهذا الشرط هو تطبيق للقاعدة القائلة: " لا التزام بمُحال ".
ثالثًا: أن يكون هذا الوباء خارجيًا لا علاقة لأي طرف من أطراف النزاع في حدوثه، وهذا أمر مسلم به بل ولا يمكن تخيله في مثل هذه الحالات من الأوبئة العالمية.
في الختام، يتضح للجميع بأن الآثار السلبية للجائحة كبيرة ومتفاقمة، غير أنه هناك بعض الآثار الإيجابية للجائحة التي يجب استغلالها في الوقت الراهن كتعزيز التمسك بتعاليم الدين الإسلامي التي تحث على النظافة الشخصية وتجنب الأخطار...إلخ، أما في مجال التحكيم فنعتقد أن هذا الوباء العالمي أوجد فرصة مواتية لإتخاذ خطوات جادة في سبيل تفعيل التحكيم الإلكتروني الذي يغني الأطراف وهيئات التحكيم عن السفر والتنفل والاجتماع بشكل دوري وهي ذاتها الإجراءات الإحترازية التي تحث عليها الحكومات حاليًا لمجابهة تفشي فيروس "كورونا – كوفيد 19"، فضلاً تخفيض نفقات التحكيم. وقد أطلق المركز الإسلامي الدولي للصلح والتحكيم سنة 2018 خدماته الالكترونية على رأسها فض النزاعات عبر الصلح والتحكيم بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية الغراء عبر موقعه الإلكتروني www.iicra.com.
المديــر التنفيــذي للمركز / رامـي سليمـان إبـراهيــم